فصل: مسير عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وتجديده الدولة بها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مسير عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وتجديده الدولة بها.

لما نزل ما نزل ببني أمية بالمشرق وغلبهم بنو العباس على الخلافة وأزالوهم عن كرسيها وقتل عبد الله بن محمد بن مروان بن الحكم آخر خلفائهم سنة اثنتين وثلاثين ومائة وتتبع بنو مروان بالقتل فطلبوا من بعدها بطن الأرض وكان ممن أفلت منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك وكان قومه يتحينون له ملكا بالمغرب ويرون فيه علامات لذلك يؤثرونها عن مسلمة بن عبد الملك وكان هو قد سمعها منه مشافهة فكان يحدث نفسه بذلك فخلص إلى المغرب ونزل على أخواله نفرة من برابرة طرابلس وشعر به عبد الرحمن بن حبيب وكان قتل ابني الوليد بن عبد الملك لما دخلا أفريقية من قبله فلحق عبد الرحمن بمغيلة ويقال بمكناسة ويقال: نزل على قوم من زناتة فأحسنوا قبوله واطمأن فيهم ثم لحق بمليلة وبعث بدرا مولاه إلى من بالأندلس من موالي المروانيين وأشياعهم فاجتمع بهم وبثوا له بالأندلس دعوة ونشروا له ذكرا ووافق ذلك ما قدمناه من الفتنة بين اليمنية والمضرية فاجتمعت اليمنية على أمره ورجع إليه بدر مولاه بالخبر فأجاز البحر سنة ثمان وثلاثين في خلافة أبي جعفر المنصور ونزل بساحل السند وأتاه قوم من أهل أشبيلية فبايعوه ثم انتقل إلى كورة رحب فبايعه عاملها عيسى بن مسور ثم رجع إلى شدونة فبايعه عتاب بن علقمة اللخمي ثم أتى مورور فبايعه ابن الصباح ونهز إلى قرطبة واجتمعت عليه اليمنية ونمي خبره إلى والي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهري وكان غازيا بجليقة فانفض عسكره وسار إلى قرطبة وأشار عليه وزيره الضميل بن حاتم بالتلطف له والمكر به فلم يتم له مراده وارتحل عبد الرحمن من المنكب فاحتل بمالقة فبايعه جندها ثم برندة فبايعه جندها ثم بشريش كذلك ثم بأشبيلية فتوافت عليه الأمداد والأمصار وتسايلت المضرية إليه حتى إذا لم يبق مع يوسف بن عبد الرحمن غير الفهرية والقيسية لمكان الضميل منه زحف إليه حينئذ عبد الرحمن بن معاوية وناجزهم الحرب بظاهر قرطبة فانكشف ورجع إلى غرناطة فتحصن بها وأتبعه الأمير عبد الرحمن فنازله ثم رغب إليه يوسف في الصلح فعقد له على أن يسكن قرطبة وأقفله معه ثم نقض يوسف عهده وخرج سنة إحدى وأربعين ولحق بطليطلة واجتمع إليه زهاء عشرين ألفا من البربر وقدم الأمير عبد الرحمن للقائه عبد الملك بن عمر المرواني كان وفد عليه من المشرق وكان أبوه عمر بن مروان بن الحكم في كفالة أخيه عبد العزيز بمصر فلما هلك سنة خمس عشرة بقي عبد الملك بمصر فلما دخلت المسودة أرض مصر خرج عبد الملك يوم الأندلس في عشرة رجال من بيته مشهورين بالبأس والنجدة حتى نزل على عبد الرحمن سنة إحدى وأربعين فعقد له على أشبيلية ولإبنه عمر بن عبد الملك على مورور وسار يوسف إليهما وخرجا إليه فلقياه وتناجز الفريقان فكانت الدبرة على يوسف وأبعد الغر واغتاله بعض أصحابه بناحية طليطلة واحتز رأسه وتقدم به إلى الأمير عبد الرحمن فاستقام أمره واستقر بقرطبة وبنى القصر والمسجد الجامع أنفق ثمانين ألف دينار ومات قبل تمامه وبنى مساجد ووفد عليه جماعة من أهل بيته من المشرق وكان يدعو للمنصور ثم قطعها لما تم له الملك بالأندلس ومهد أمرها وخلد لبني مروان السلطان بها وجدد ما طمس لهم بالمشرق من معالم الخلافة وآثارها واستلحم الثوار في نواحيها وقطع دعوة العباسيين من منابرها وسد المذاهب منهم دونها وهلك سنة اثنتين وسبعين ومائة وكان يعرف بعبد الرحمن الداخل لأن أول داخل من ملوك بني مروان هو وكان أبو جعفر المنصور يسميه صقر بني أمية لما رأى ما فعل بالأندلس وما ركب إليها من الأخطار وأنه صمد إليها من أنأى ديار المشرق من غير عصابة ولا قوة ولا أنصار فغلب على أهلها وعلى أميرهم وتناول الملك من أيديهم بقوة شكيمة وأمضاء عزم ثم تحلى وأطيع وأورثه عقبه وكان عبد الرحمن هذا يلقب بالأمير وعليه جرى بنوه من بعده فلم يدع أحد منهم بأمير المؤمنين إذ بايع الخلافة بمقر الإسلام ومبتدأ العرب حتى كان عبد الرحمن الناصر وهو الثامن منهم على ما نذكره فتسمى بأمير المؤمنين وتوارث ذلك بنوه واحدا بعد واحد وكان لبني عبد الرحمن الداخل بهذه العدوة الأندلسية ملك ضخم ودولة ممتعة اتصلت إلى ما بعد المائة الرابعة كما نذكر وعندما شغل المسلمون بعبد الرحمن وتمهيد أمره قوي أمر الخلافة واستفحل سلطانه وتجهز فرويلة بن الأدفونش ملكهم سار إلى ثغور البلاد فأخرج المسلمين منها وملكها من أيديهم ورد مديزلك وبريعال وسمورة وسلمنقة وقشتالة وسقونية وصارت للجلالقة حتى افتتحها المنصور بن أبي عامر رئيس الدولة كما نذكر في أخباره ثم استعادوها بعده من بلاد الأندلس واستولوا على جميعها وكان عبد الرحمن عندما تمهد له الأمر بالأندلس ودعا للسفاح ثم خلعه واستبد بأمره كما ذكرناه وجد هشام بن عبد ربه الفهري مخالفا بطليطلة على يوسف من قبله وبقي على خلافه ثم أغزاه عبد الرحمن سنة تسع وأربعين بدرا مولاه وتمام بن علقمة فحاصراه ومعه حيوة بن الوليد الحصبي وحمزة بن عبد الله بن عمر حتى غلباه وجاء بهم إلى قرطبة فصلبوا وسار من أفريقية سنة تسع وأربعين العلاء بن مغيث اليحصبي ونزل باجة من بلاد الأندلس داعيا لأبي جعفر المنصور واجتمع إليه خلق فسار عبد الرحمن إليه ولقيه بنواحي أشبيلية فقاتله أياما ثم انهزم العلاء وقتل في سبعة آلاف من أصحابه وبعث عبد الرحمن برؤوس كثيرة منهم إلى القيروان ومكة فألقيت في أسواقها سرا ومعها اللواء الأسود وكاتب المنصور للعلاء ثم ثار سعيد اليحصبي المعروف بالمطري بمدينة لبلة طالبا بثأر من قتل من اليمنية مع العلاء وملك أشبيلية وسار إليه عبد الرحمن فامتنع ببعض الحصون فحاصره وكان عتاب بن علقمة اللخمي بمدينة شدونة فأمد المطري وبعث عبد الرحمن بدرا مولاه فحال دون المدد ودون المطري ثم طال عليه الحصار وقتل في بعض أيامه وولي مكانه بالقلعة خليفة بن مروان ثم استأمن من بالقلعة إلى عبد الرحمن وأسلموا إليه الحصن فخربه وقتل عبد الرحمن خليفة ومن معه ثم سار إلى غياث فحاصره بشدونة حتى استأمنوا فأمنهم وعاد إلى قرطبة فخرج عليه عبد الرحمن بن خراشة الأسدي بكورة جيان وبعث إليه العساكر فافترق جمعه واستأمن فأمنه ثم خرج عليه سنة خمس غياث بن المستبد الأسدي فجمع عامل باجة العساكر وسار إليه فهزمه وقتله وبعث برأسه إلى عبد الرحمن بقرطبة وفي هذه السنة شرع عبد الرحمن في بناء السور على قرطبة ثم ثار رجل بشرق الأندلس من بربر مكناسة يعرف بشقنا بن عبد الواحد كان يعلم الصبيان وادعى أنه من ولد الحسين الشهيد وتسمى بعبد الله بن محمد وسكن شنة برية واجتمع إليه خلق من البربر فسار إليه عبد الرحمن فهرب في الجبال واعتصم بها فرجع وولى على طليطلة حبيب بن عبد الملك فولى حبيب شنة برية سليمان بن عثمان بن مروان بن عثمان بن أبان بن عثمان بن عفان فسار إليه سليمان وقتله وغلب على ناحية فورية فسار إليه عبد الرحمن سنة اثنتين وخمسين ومائة وأعياه أمره وصار ينتقل في البلاد ويهزم العساكر وكان سكن بحصن شيطران من جبال بلنسية فسار إليه عبد الرحمن سنة ست وخمسين واستخلف على قرطبة ابنه سلمان فأتاه الخبر بعصيان أهل أشبيلية وثورة عبد الغفار وحيوة بن قلاقس مع اليمانية فرجع عن شقنا وهاله أمر أشبيلية وقدم عبد الملك بن عمر لقتالهم فساروا إليه ولقيهم مستميتا فهزمهم وأثخن فيهم ولحق بعبد الرحمن فشكرها له وجزاه خيرا ووصله بالصهر وولاه الوزارة ونجا عبد الغفار وحيوة بن قلاقس إلى أشبيلية فسار عبد الرحمن سنة سبع وخمسين إليها فقتلهم وقتل خلقا ممن كان معهم واستراب من يومئذ بالعرب فرجع إلى اصطناع القبائل من سواهم واتخاذ الموالي ولما كانت سنة إحدى وستين غدر بشقنا رجلان من أصحابه وجاء برأسه إلى عبد الرحمن ثم سار عبد الرحمن بن حبيب الفهري المعروف بالقلعي من أفريقية إلى الأندلس مظهرا للدعوة العباسية ونزل بتدمير واجتمع إليه البربر وكان سليمان بن يقظان عاملا على برشلونة فكتب إليه يدعوه إلى أمره فلم يجبه فسار إليه في البربر ولقيه سليمان فهزمهم وعاد إلى تدمير وزحف إليه عبد الرحمن من قرطبة فاعتصم بجبل بلنسية فبذل عبد الرحمن فيه الأموال فاغتاله رجل من أصحابه البربر وحمل رأسه إلى عبد الرحمن وذلك سنة اثنتين وستين ورجع عبد الرحمن إلى قرطبة ثم خرج دحية الغساني في بعض حصون البيرة فبعث إليه شهيد بن عيسر فقتله وخالف البربر وعليهم بحرة بن البرانس فبعث بدرا مولاه فقتله وفرق جموعهم وفر القائد السلمي من قرطبة إلى طليطلة وعصى بها فبعث حبيب بن عبد الملك وحاصره فهلك فى الحصار وزحف عبد الرحمن سنة أربع وستين إلى سرقسطة وبها سليمان بن يقظان والحسين بن عاصي وقد حاصرهما ثعلبة بن عبيد من قواده فامتنعت عليه وقبض سليمان على ثعلبة وبعث إلى ملك الفرنج فجاء وقد تنفس عنه الحصار فدفع إليه ثعلبة ثم غلب الحسين على سلمان وقتله وانفرد فحاصره عبد الرحمن حتى صالحه وسار إلى بلاد الفرنج والبشكنس ومن وراءهم من الملوك ورجع إلى وطنه وغدر الحسين بسرقسطة فسار إليه عامله ابن علقمة فأسر أصحابه ثم سار إليه عبد الرحمن سنة ست وستين وملكها عنوة وقتل الحسين وقتل أهل سرقسطة ثم خرج سنة ثمان وستين أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن فلقيه بقسطلونة وهزمه وأثخن في أصحابه ثم لقيه ثانية سنة تسع وستين فهزمه ثم هلك سنة سبعين في أعمال طليطلة وقام مكانه أخوه قاسم وغزاه عبد الرحمن فحاصره فجاء بغير أمان فقتله ثم توفي عبد الرحمن سنة اثنتين وسبعين ومائة لثلاثة وثلاثين سنة من إمارته.